عرف الرجل الشرقي دوما بشهامته ودماثة أخلاقه ..هذا ماسمعنا عنه وتوارثناه من آبائنا وقرئناه في أغلب القصص والروايات القديمة.
فهو فتى الحارة الشهم الذي يقف بجوار كل من يحتاج المساعدة من أبناء الحي ..وهو الشاب الملتزم والإبن البار, وهو رب المنزل الوقور صاحب الأخلاق والفضائل ..
ودوما مايرتبط مفهوم الرجولة بمجموعة من الصفات الإنسانية المغلفة بإطار قوي صامد..حتى لو قامت فتاة بموقف شجاع فتوصف بأنها "بمائة رجل" ولو أردت أن تتفق مع أحد شفهيا دون رسميات فيصبح كلامكما "كلام رجَالة"..
ورغم كل هذه الصفات الرائعة التي يتميز بها الرجل الشرقي عامة والمصري خاصة إلا أنه وبمرور الزمن بدأت هذه الصفات بالتناقص والتقهقر حتى لم يعد يملك الرجل فيها سوى وصفه النوعي كرجل.
ولا أدرى هل ملك الرجل هذه الصفات حقا أم أنها كانت مجرد وصف لأبطال وهميين من خيال الكتَاب والرواة على مر العصور!
فالرجل المصري اليوم أصبحوبلا فخر أكبر مصدر تلوث للبيئة بطريقة فجَة..فهو لا ينتبه إطلاقا لوجوده في مكان عام ليخرج سيجارة مدخنا إياها بتلذذ بصرف النظر عن موافقة من حوله أم لا..عن قبول من حوله لتدخينه أمامهم أم لا ..عن وجود أطفال أو رضَع أو امرأة حامل في المكان أم لا..
إنه لايأبه سوى برغبته الشخصية"الآلية" بالتدخين فقط !
وعندما كنت في حجرة انتظار بأحد المكاتب أخرج اثنان من الجالسين علبة سجائر وعزم احدهم على الآخر بسجارة ,وقبل أن يدخن استأذنتهما قائلة أنني لا أتحمل دخَان السجائر.دون حتى أن أطالبهم بالخروج للتدخين أو بعدم اشعال السجارة..فأجابني احدهم وهو يمسك سيجارته بين اصابع يده اليمنى ملوحا إياها بخيلاء: يمكنك الإنتظار بالخارج ياآنسة!!
وهذه الإجابة أو هذا الرد ينقلنا لنقطة أخرى في صفات الرجل المصري وهي عدم احترامه للأنثى.
فالفتاة اليوم لم تصبح خشنة وقوية بهذا الشكل إلا لأن الرجل فقد أهم صفة في رجولته.. وهي احترام من هو أضعف منه.
فكونك قوي بالفطرة لايجعلك متعجرفا على من حولك ومسخرا إياهم لمتطلباتك الشخصية, تتصرف مع الفتاة أو الأنثى على انها لن تستطيع أن تفعل لك شيئا وحتى لو فعلت فهي فالإهانة ستعود عليها ولن تصيبني بشي ..فأنا رجل !!
بالتأكيد تتعرف آلاف الفتيات لآلاف المواقف من هذا القبيل يوميا, وبالتأكيد أيضا كثيرا منهن لايجرؤن على فتح افواههن.. أذكر على مدار خمس سنوات من السفر أنني قابلت أصنافا من الرجال أقل مايوصفون به أنهم "أطفال" يحتاجون لمقعد مريح ونوم هنيء وكوب من الشاي وسيجارة في ممر القطر بصرف النظر عن كون باب العربة مفتوح أو مغلق..فهو لن يترك السيجارة وكوب الشاب من يده ليغلق الباب حتى لايضر الركَاب.
كثيرا ماشاهدت فتيات اضطررن للوقوف طوال طريق السفر لتجلس مكانهن سيدة كبيرة في السن لم تلحق حجز مقعد ,ولا أذكر مشهدا واحدا لرجل أو شاب استبدل مكانه ليجلس سيدة أو رجل مسن!!!!
واكثر مايؤلمني هو موقف العاملين بشبَاك التذاكر في موقف السوبرجت.. فحتى لو كان شباك التذاكر مقسوم لقسمين (رجال/سيدات) فبالتأكيد ستجد الرجال ستزاحمون بشكل سيء على جانبي الشباك, وأكثر من رجل يقوم بإعطاء أي فتاة ثمن التذكرة لتقف هي في الطابور لتحجز لنفسها وله!! وهو يقف بجوار حقيبته يدخن ويتحدث في الهاتف!!!
منذ اسبوع تقريبا كنت في انتظار السوبر جت, وانتظرت ساعة وربع حتى سمح لنا عامل التذاكر بالحجز..كنت اول الحاضرين وتوافد الكثيرون بعدي..وعندما بدأ العامل الحجز قفز عدد غفير من الرجال على شباك تذاكر الرجال والسيدات معا.. وهنا تحدثت فتاة بعصبية إلى الرجل امامها:على فكرة يااستاذ انا واقفة هنا قبلك وكمان دا شباك السيدات.
لم يجبها الرجل,فهو لم يلتفت ليرى من تتحدث..وظل واقفا في شباك السيدات حتى حجز تذكرته وهرع يجلس مكانه في السوبر جت .
الأدهى أن هذه الفتاة تحدثت بعصبية إلى عامل شباك التذاكر قائلة أنها تقف منذ مايزيد عن ساعة كما أنه لم يحجز لأمرأة واحدة.
نظر إليها العامل بكل استهتار واخذ منها النقدية ثم ضحك مع زميله قائلا: استنى بقى لما احجز للرجالة الأول!!!!!!!!!!
لن اتحدث هنا عن كم الإستهتار والإستخفاف بالفتيات,ولن اتحدث عن تجاهله التام للسيدات الواقفات في صفهن والرجال يتزاحمن عليهن,ولن اتحدث عن حتى مبدأ الأولوية في الحجز بأسبقية القدوم.. ولكني تسائلت..أهذا رجل حقا؟
فلو صرفنا النظر عن اخلاقيات مهنته كعامل يتعامل مع الجمهور فأين شهامته كرجل؟ وأين شهامة من يقبل على نفسه التزاحم وسط النساء لأخذ دورهن حتى يصل هو ولايهم أن تصل هي أم لا..لايهم أيضا إذا كانت هي تنتظر في الشارع لتحجز وهو جالس في مكانه-الذي من المفروض أن يكون مكانها- في هدوء !
رميت تساؤلاتي هذه كلها جانبا وحجزت تذكرة وأنا اشعر بالإشمئزاز داخلي ,وعندما نظرت إلى رقم مقعدي وجدت رجل يجلس بجوار النافذة ويقرأ الجريدة.
ما ان جلست حتى اصطدم كتفي به..فإعتذرت وحاولت الإبتعاد قليلا لأكتشف أنني اجلس على ربع كرسي!!!
فالأستاذ جالس في المقعد كأنه جالس على أريكة حجرة المعيشة في منزلة ويقرأ الجريدة وينتظر الغذاء!!
لن اقول لكم ان ساقه اليمنى كانت على نصف مقعدي ولن اقول لكم ان الجرنال مفتوح على مصرعيه امام وجهه ويده اليمنى يموازاة ساقه ولكن في الهواء!! وأي فرصة بالنسبة لي في الإبتاعد عنه قليلا تعني جلوسي في ممر الأوتوبيس!
استأذنته بأن يلتزم بمقعده فنظر إلي بطرف عينه ولم يفعل سوى أن أغلق الجرنال قليلا!!
شعرت أن الدماء تكاد تنفجر من رأسي وكعادتي في التعامل مع الحمقي اكتفيت بالصمت وبحثت عن مكان آخر آجلس فيه بجوار فتاة.
وأول أمس كنت في خطوبة أحدى صديقاتي في قاعة افتتحت مؤخرا, وحاولت البحث عن مكان للسيارة فلم أجد خاصة أنين لا أعرف هذه المنطقة جيدا, ثم لمحت مكانا في شارع صغير وفعلا ركنت السيارة وما ان اقتربت من القاعة حتى وجدت رجلا ينادي علينا ::انتي ياآنسة...
التفتنا فوجدنا رجل في مقتبل الأربعينات يقول يخشونة: ماتركنيش هنا ياماما.
فأجبته بهدوء: ليه يافندم؟
-عشان انا مش عايزك تركني هنا.
-بس أنا مش لاقيه مكان فاضي اركن فيه غير هنا.
-وانا بقولك ماتركنيش أدام بيتي.
ابتسمت قائلة:وانا مش راكنه ادام بيتك,انا راكنة تحت بيتك.
- لا أدامه ولا تحته وبقولك شيلي عربيتك أحسنلك.
حاولت صديقتي التفاهم معه حول رفضه التام لوجود سيارتنا تحت منزله حتى حضر أحد اصدقاؤه موجها الكلام لنا: ماتشيلي العربية ياماما وبلاش كلام كتير.
لا أدر لم يعاملانا هكذا..ولا أدر ماالمشكلة لوجود السيارة في طريق عام صادف وجود منزله فيه.
فأجبته بصرامة هذه المرة: حدود بيتك بتخلص هنا يابشموهندس .. وباقي الشارع ملك لأي حد يركن عربيته وللا يركن نفسه شخصيا هو حر.
- نعم يا ماما .. ماااااااشي .. ابقى روحي وتعالى قابليني .
كدت أخرج الdefense من حقيبتي لأعلمه كيف يتعامل مع فتاة ولكن
همست لي صديقتيي: على فكرة ياامنية دول تقريبا شاربين حاجة,خلينا نمشي احسن واحنا في مكان مانعرفوش
وفعلا.. بحثت عن مكان آخر يبعد عن القاعة 4 دقائق مشي بسبب رجل!!
بالتأكيد لاتنتظر الفتاة أن يهب من في الطريق العام لنجدتها لو تعرض لها أحد,فالرجل أو الشاب هو أول من يركض في أي موقف جاد..لهذا تقوم كثير من الفتيات بتعلم رياضات الدفاع عن النفس أو التصرف بطريقة خشنة .. إنها متطلبات العصر .. عصرنا الذي انعدمت فيه الرجولة أو أصبحت مرادفا لصفات أخرى لايمكن تغافلها ..
إنني لاأعقد مقارنة بين الرجل والمرأة قائلة أن المرأة في مجتمعنا أكثر احتراما من الرجل..بل إنني على يقين أن هناك فتيات لم يتعرفن على أبسط قواعد الأخلاق ..وعلى يقين أيضا أن هناك فئة من الرجال تساعد المحتاج وتحترم القواعد العامة..ولكني أتحدث عن ظاهرة تفوح رائحتها منذ فترة ليست بالقصيرة.. ولا يمكن تجاهل أثرها على المجتمع اطلاقا..
وكما تصيح الأفواه بقضايا ملابس الفتيات واخلاق الفتيات وتصرفات الفتيات البنات والشيشة البنات والحجاب ...الخ .. فالتتحدث هذه الأفواه ولو لمرة عن صفات الرجل ..الشهم .. ذو المروئة والأخلاق ..فلتتحدث عن صفاته التي تتناقص يوما بعد يوم..تتحدث عن الرجولة المفقودة والشهامة التي اصبحت أسطورة من الأساطير..
منقوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووول للامانه